سورة المجادلة - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المجادلة)


        


{فمن لم يجد} أي الرقبة {فصيام شهرين} أي فكفارته وقيل فعليه صيام شهرين {متتابعين من قبل أن يتماسّا فمن لم يستطع} أي الصيام فكفارته {إطعام ستين مسكيناً ذلك} أي الفرض الذي وصفناه، {لتؤمنوا بالله ورسوله} أي لتصدقوا الله فيما أمر به وتصدقوا الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن الله تعالى:{وتلك حدود الله} يعني ما وصف من الكفارة في الظهار {وللكافرين} أي لمن جحد هذا وكذب به {عذاب أليم} أي في نار جهنم يوم القيامة.
فصل في أحكام الكفارة، وما يتعلق بالظهار:
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا فيما يحرمه الظهار فللشافعي قولان: أحدهما أنه يحرم الجماع فقط. والقول الثاني وهو الأظهر أنه يحرم جميع جهات الاستمتاع وهو قول أبي حنيفة.
المسألة الثانية: اختلفوا فيمن ظاهر مراراً فقال الشافعي وأبو حنيفة لكل ظهار كفارة إلا أن يكون في مجلس واحد وأراد التكرار للتأكيد فإن عليه كفارة واحدة وقال مالك من ظاهر من امرأته في مجالس متفرقة فليس عليه إلا كفارة واحدة.
المسألة الثالثة: الآية تدل على إيجاب الكفارة قبل المماسّة سواء أراد التكفير بالإعتاق أو بالصيام أو بالإطعام وعند مالك إن أراد التكفير بالإطعام يجوز له الوطء قبله لأن الله تعالى قيد العتق والصوم بما قبل المسيس ولم يقل في الإطعام {من قبل أن يتماسا} فدل على ذلك. وعند الآخرين الإطلاق في الطعام محمول على المقيد في العتق والصيام فإن جامع قبل أن يكفر لم يجب عليه إلا كفارة واحدة وهو قول أكثر أهل العلم كمالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وسفيان وقال بعضهم وإن واقعها قبل أن يكفر فعليه كفارتان وهو قول عبد الرحمن بن مهدي.
المسألة الرابعة: كفارة الظهار مرتبة فيجب عليه عتق رقبة مؤمنة وقال أبو حنيفة هذه الرقبة تجزي سواء كانت مؤمنة أو كافرة لقوله تعالى: {فتحرير رقبة} فهذا اللفظ يفيد العموم في جميع الرقاب.
دليلنا أنا أجمعنا على أن الرقبة في كفارة القتل مقيدة بالايمان فكذا هنا وحمل المطلق على المقيد أولى.
المسألة الخامسة: الصوم فمن لم يجد الرقبة فعليه صيام شهرين متتابعين فإن أفطر يوماً متعمداً أو نسي النية يجب عليه استئناف الشهرين ولو شرع في الصوم ثم جامع في خلال الشهرين بالليل عصى الله تعالى بتقديم الجماع على الكفارة لكن لا يجب عليه استئناف الشهرين وعند أبي حنيفة يجب عليه استئناف الشهرين.
المسألة السادسة: إن عجز عن الصوم لمرض أو كبر أو فرط شهوة بحيث لا يصبر عن الجماع يجب عليه إطعام ستين مسكيناً كل مسكين مد من الطعام الذي يقتات به أهل البلد من حنطة أو شعير أو أرز أو ذرة أو تمر أو نحو ذلك وقال أبو حنيفة يعطي لكل مسكين نصف صاع من بر أو دقيق أو سويق أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير ولو أطعم مسكيناً واحداً ستين جزءاً لا يجزيه عند الشافعي وقال أبو حنيفة يجزيه.
حجة الشافعي ظاهر الآية وهو أن الله تعالى أوجب إطعام ستين مسكيناً فوجب رعاية ظاهر الآية وحجة أبي حنيفة أن المقصود دفع الحاجة وهو حاصل.
وأجيب عنه بأن إدخال السرور على قلب ستين مسكيناً أولى من إدخال السرور على قلب مسكين واحد.
المسألة الرابعة: إذا كانت له رقبة إلا أنه محتاج إلى الخدمة أو له ثمن الرقبة لكنه محتاج إليه لنفقته ونفقة عياله فله أن ينتقل إلى الصوم وقال مالك والأوزاعي يلزمه الإعتاق إذا كان واجداً للرقبة أو ثمنها وإن كان محتاجاً إليه وقال أبو حنيفة إن كان واجداً لعين الرقبة يجب عليه إعتاقها وإن كان محتاجاً إليه، وإن كان واجداً لثمن الرقبة لكنه محتاج إليه فله أن يصوم.
المسألة الثامنة: قال أصحاب الشافعي الشبق المفرط والغلمة الهائجة عذر في الانتقال من الصيام إلى الإطعام والدليل عليه ما روي عن سلمة بن صخر البياضي قال: «كنت امرأ أصيب من النساء ما لا يصيب غيري فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئاً تتايع بي حتى أصبحت فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان فبينما هي تخدمني ذات ليلة إذ انكشف لي منها شيء فما لبثت أن نزوت عليها فلما أصبحت خرجت إلى قومي فأخبرتهم الخبر قال فقلت امشوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لا والله فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال أنت بذاك يا سلمة قلت أنا بذاك يا رسول الله مرتين وأنا صابر لأمر الله فاحكم بما أمرك الله به. قال حرر رقبة قلت والذي بعثك بالحق نبياً ما أملك رقبة غيرها وضربت صفحة رقبتي قال فصم شهرين متتابعين قال وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام قال فأطعم وسقاً من تمر ستين مسكيناً قلت والذي بعثك بالحق نبياً لقد بتنا وحشين لا نملك لنا طعاماً قال فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك فأطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر وكُل أنت وعيالك بقيتها فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند النبي صلى الله عليه وسلم السعة وحسن الرأي وقد أمر لي بصدقتكم وبنو بياضة بطن من بني زريق» أخرجه أبو داود.
قوله نزوت عليها أي وثبت عليها وأراد به الجماع وقوله تتايع به التتايع الوقوع في الشر واللجاج فيه والوسق ستون صاعاً، وقوله وحشين يقال رجل وحش إذا لم يكن له طعام وأوحش الرجل إذا جاع.


قوله عز وجل: {إن الذين يحادون الله ورسوله} أي يعادون الله ورسوله ويشاقون ويخالفون أمرهما، {كبتوا} أي ذلوا وأخزوا وأهلكوا {كما كبت الذين من قبلهم} أي كما أخزي من كان قبلهم من أهل الشرك، {وقد أنزلنا آيات بينات} يعني فرائض وأحكاماً. {وللكافرين} أي الذين لم يعملوا بها وجحدوها {عذاب مهين يوم يبعثهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا أحصاه الله} أي حفظ الله أعمالهم {ونسوه} أي نسوا ما كانوا يعملون في الدنيا، {والله على كل شيء شهيد} قوله تعالى: {ألم تر} أي ألم تعلم {أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض} يعني أنه سبحانه وتعالى عالم بجميع المعلومات لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماوات ثم أكد ذلك بقوله تعالى: {ما يكون من نجوى ثلاثة} أي من أسرار ثلاثة وهي المسارة والمشاورة والمعني ما من شيء يناجي به الرجل صاحبه وقيل ما يكون من متناجين ثلاثة يسارر بعضهم بعضاً {إلا هو رابعهم} أي بالعلم يعني يعلم نجواهم كأنه حاضر معهم ومشاهدهم كما تكون نجواهم معلومة عند الرابع الذي يكون معهم {ولا خمسة إلا هو سادسهم} فإن قلت لما خص الثلاثة والخمسة.
قلت: أقل ما يكفي في المشاورة ثلاثة حتى يتم الغرض فيكون اثنان كالمتنازعين في النفي والإثبات والثالث كالمتوسط الحاكم بينهما فحينئذ تحمد تلك المشاورة ويتم ذلك الغرض وهكذا كل جمع يجتمع للمشاورة لا بد من واحد يكون حكماً بينهم مقبول القول وقيل إن العدد الفرد أشرف من الزوج فلهذا خص الله تعالى الثلاثة والخمسة ثم قال تعالى: {ولا أدنى من ذلك ولا أكثر} يعني ولا أقل من ثلاثة وخمسة ولا أكثر من ذلك العدد {إلا هو معهم أينما كانوا} أي بالعلم والقدرة، {ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم} قوله عز وجل: {ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى} نزلت في اليهود والمنافقين وذلك أنهم كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين وينظرون إلى المؤمنين ويتغامزون بأعينهم ويوهمون المؤمنين أنهم يتناجون بما يسوءهم فيحزن المؤمنين لذلك ويقولون ما نراهم إلا قد بلغهم عن إخواننا الذين خرجوا في السرايا قتل أو هزيمة فيقع ذلك في قلوبهم ويحزنهم فلما طال على المؤمنين وكثر شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن لا يتناجوا دون المؤمنين فلم ينتهوا فأنزل الله ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى أي المناجاة فيما بينهم، {ثم يعودون لما نهوا عنه} أي يرجعون إلى المناجاة التي نهوا عنها {ويتناجون بالإثم والعدوان} يعني ذلك السر الذي كان بينهم لأنه إما مكر وكيد بالمسلمين أي شيء يسوءهم وكلاهما إثم وعدوان، {ومعصية الرسول} وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد نهاهم عن النجوى فعصوه وعادوا إليها وقيل معناه يوصي بعضهم بعضاً بمعصية الرسول {وإذا جاؤوك} يعني اليهود {حيوك بما لم يحيك به الله} وذلك أن اليهود كانوا يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون السام عليك والسام الموت وهم يوهمونه بأنهم يسلمون عليه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرد فيقول عليكم {ويقولون في أنفسهم} يعني إذا خرجوا من عنده قالوا {لولا يعذبنا الله بما نقول} يريدون لو كان نبياً لعذبنا الله بما نقول من الاستخفاف به قال الله تعالى: {حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير} المعنى أن تقديم العذاب إنما يكون بحسب المشيئة والمصلحة وإذا لم تقتض المشيئة والمصلحة تقديم العذاب فعذاب جهنم يوم القيامة كافيهم.
(ق) عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «دخل رهط من اليهود على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا السام عليك قالت عائشة ففهمتها فقلت عليكم السام واللعنة قالت فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مهلا يا عائشة إن اللّه يحب الرفق في الأمر كله فقلت يا رسول اللّه ألم تسمع ما قالوا؟ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد قلت عليكم» وللبخاري: «إن اليهود أتوا النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا السام عليك فقال وعليكم فقالت عائشة السام عليكم ولعنكم اللّه وغضب عليكم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش قالت أو لم تسمع ما قالوا؟ قال أو لم تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في» السام الموت قال الخطابي عامة المحدثين يروون إذا سلم عليكم أهل الكتاب فإنما يقولون السام عليكم فقولوا وعليكم الحديث فيثبتون الواو في وعليكم وكان سفيان بن عيينة يرويه بغير واو قال وهو الصواب لأنه إذا حذف الواو صار قولهم الذي قالوه مردودا عليهم بعينه وإذا أثبت الواو وقع الاشتراك معهم لأن الواو تجمع بين الشيئين، والعنف ضد الرفق واللين، والفحش الرديء من القول.


قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول} في المخاطبين بهذه الآية قولان أحدهما أنه خطاب للمؤمنين وذلك أنه لما ذم اليهود والمنافقين على التناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول أتبعه بأن نهى المؤمنين أن يسلكوا مثل طريقهم وأن يفعلوا كفعلهم فقال لا تتناجوا بالإثم وهو ما يقبح من القول والعدوان وهو ما يؤدي إلى الظلم ومعصية الرسول وهو ما يكون خلافاً عليه.
والقول الثاني: وهو الأصح أنه خطاب للمنافقين والمعنى. يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم وقيل آمنوا بزعمهم كأنه قال لهم لا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول {وتناجوا بالبر والتقوى} أي بالطاعة وترك المعصية {واتقوا الله الذي إليه تحشرون إنما النجوى من الشيطان} أي من تزيين الشيطان وهو ما يأمرهم به. من الإثم والعدوان ومعصية الرسول {ليحزن الذين آمنوا} إنما يزين ذلك ليحزن المؤمنين.
(ق) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث» زاد ابن مسعود في رواية «فإن ذلك يحزنه» وهذه الزيادة لأبي داود {وليس بضارهم شيئاً} يعني ذلك التناجي وقيل الشيطان ليس بضارهم شيئاً {إلا بإن الله} أي إلا ما أراد الله تعالى وقيل إلا بإذن الله في الضر {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} أي فليكل المؤمنون أمرهم إلى الله تعالى ويستعيذوا به من الشيطان فإن من توكل على الله لا يخيب أمله ولا يبطل سعيه.

1 | 2 | 3 | 4